حكاية مأساوية جديدة لفتاة معتقلة ستُضاف إلى رفوف ذاكرتي التي لم تعد تُطيق هذا الحِمل الثقيل. عندما بدأتُ بالاستماع لشهادات المعتقلين بشكل مستمر كنت أشعرُ بوخزاتٍ في قلبي، كانت تزداد شيئاً فشيئاً كُلّما تابعت الاستماع والبحث عن قصصهم التعيسة داخل السجون، حفلاتٌ من التعذيب على أنغام أغاني المستبدِّين.. كانت تتم ليُشبِع السجان رغبته المتوحشة في قتل الإنسان أو ما تبقّى من روح الإنسان داخل المعتقل. يصدرُ المرء صوتاً حين يتألم.. جميعنا نصدره، قد نملئ المكان بالصراخ، علّه ينسينا الألم الذي انتابنا للتو، إنها إملاءات طبيعتنا الفطرية، لكن الوضع مختلف داخل أقبية المخابرات العفنة، يضرب السّجانون المعتقلين- ويحذرونهم من التأوّه، يمنعونها عنهم فهم ليسوا بشراً بنظرهم وليذيقوهم صنفاً آخر من أصناف العذاب الأحمر، يكتُم المساكين صرخاتهم السَّقيمة داخل أجوافهم المتهالكة، فيتعاظم الكتمان ضربةً بعد أخرى، ويا للمصيبة إن أصدر أحدهم صوتَ أنين- صوت أنينٍ واحدٍ فقط.
تختنق صراخاتهم داخل أجسامهم، تكاد تنفجر، لا جدوى من عدّ الضربات والشتائم فذلك يزيدهم ألماً فوق ألم، يفجّر السجانون أنهاراً من دمائهم، قد ينتشون قليلاً وربما لا، فقد لا يشبعون إلّا عند سماع شهقات المعذَّبين حين تُسلَّم الأرواح إلى بارئها، يخلّصهم الموت من أيادي السجانين، فلا شك بأن الموت وضمّة القبر الجماعي أرحم من مسالخهم، تفيض الأرواح التي جاء أجلها إلى السماء ويبقى من لم يُقدَّر له أن يستريح- داخل مسالخهم ينتظرُ فجر الحرية ورسائل شمسها الساطعة ليَروي للعالم بعضاً من أهوال العذاب الذي رآهُ في جحيم معتقلاتهم.
لم أكتب هذا الكلام للتأثير على عواطف أحد، إنّما كتبته لتعلموا أن هناك بشراً أبرياء يتعرضون للتعذيب يومياً بوسائل لا يمكن تخيل مدى بشاعتها، إنني أكتب هذا الكلام من باب احترام الإنسانية والماهيَّة البشرية، فلا يجوز تعذيب أحد بتلك البشاعة التي نسمع ونقرأ عنها مهما كان الجرم الذي ارتكبه كبيراً وخطيراً، وإن كان كذلك بالفعل- فلمَ لا يتم اعدامهم والتخلص منهم بدلاً من جعلهم يعانون ويشعرون بكل ذلك الألم!