كيف يعيش الناس في سوريا الآن، وما الفرق بين سوريا قبل وبعد الثورة؟
سُئِلتُ هذا السؤال قبل عدّة أيام من أحد الإخوة العرب، فأجبتُ عليه بالآتي:
أنت تسألُ عن أوضاع الأحياء الأموات أو المعتقلين في السجن الكبير الذي يُدعى بـ “سوريا الأسد”.
سوريا الأسد! نعم هي كذلك، فبكل بساطة.. يُطلقون اسم العائلة على بلدٍ كامل بما فيها المؤسسات والدوائر الحكومية، وكأن الشعب يعيش في مزرعة العائلة، لذا لا تَعجب من شعاراتهم الهمجية التي قد تصادفك.
في الواقع لا أعلم كيف يعيشون، أو إذا ما زالوا يعيشون! كيف يمضون أيّامهم! فلا وجود لأدنى مقومات الحياة في ذلك البلد (ماء، غاز، كهرباء)، لعلّك تعتقد بأنني أحدثك عن مناطقَ نائيةٍ في سوريا.. كلّا، أُحدّثك عن الوضع العام هناك وذلك يشمل العاصمة دمشق أيضاً،
قد يعتقد البعض بأن سوريا استعادت عافيتها وذلك من خلال مُشاهدة بعض مقاطع اليوتيوب الزائفة التي تصوّر لهم الحياة هناك على أنها طبيعية للغاية وورديّة زاهية، وأن الشعب السوريّ سعيدٌ ومرتاح في وطنه، هذا هو المشهد الخارجي الذي يظهر للغرباء، لكن ما تُخفيه هذه البلادُ من بشاعاتٍ وفظاعات تجعلُ الشخص يتوقف عن الكلام من هول ما سيدرِكُه إذا ما استطاع الإدراك أصلاً.
خلال السنوات الماضية دفعت الحرب والأوضاع السيئة ملايين الناس للهروب إلى خارج البلاد، لكن الآن وبعد التطورات الأخيرة في المشهد السوري تتوالى التصريحات الزّاعمة بأن الإرهاب قد دُحِر، حسناً إذاً لماذا لا يعود الناس إلى حضن الوطن طالما أن الدولة باتت تسيطر على معظم الأراضي وأنّ الأوضاع آخدة في التحسُّن!
أَتركُ لكَ هنا مجالاً للتفكير.
لقد سألتني عن الفرقِ بين سوريا قبل الثورةِ وبعدها، دعني أُخبركَ شيئاً.
الثورة وما أدراك ما الثورة، الاسم لوحده كان حلماً لنا أن ننطقه قبل عقدٍ من الآن، ومن هذا الذي سيتجرّأ على التفكير بالخروج في مظاهرات تنتقد ممارسات السلطة الحاكمة وتطالبها بالتّغيير!
لن أُطيل في السّرد عليك، ولن تكون هناك حبكَةٌ درامية في إجابتي فهذه ليست مقالةً أو رواية.
سوريا، دولةٌ جمهوريةٌ فاسدة، وديكتاتورية متوحشّة، يحكمها ابن الرئيس السابق بشار ابن حافظ الأسد الذي جاء إلى السلطة بانقلابٍ عسكري، وأطاح بزملائه الذين ساروا معه على نفس الدرب،
لقد قام الأسد الأب بتخريب الوطن السوري وهو الذي أسس للطائفية البغيضة وقمع الحريات وأنهى الحياة السياسية نهائياً عندما أغلق النقابات المهنيّة التي كانت آخر صوتٍ يصدح بمشكلات الشعب وهمومه، ولم يكتفي بذلك وحسب.. بل زجّ بكلّ معارضيه في السجون والبعض الآخر قام بنفيهم إلى الخارج.
عاماً بعد عام استطاع التغلغل في جميع مفاصل الدولة وتمّكنت طائفته من السيطرة على جميع المؤسسات الحكومية في سوريا وأبرزها المؤسسة العسكرية والأمنية ليضمن بقائه في السلطة، وقد قام بتأسيس ٤ أجهزة مخابرات منفصلة عن بعضها يُطلق عليها “شُعَب” إضافةً لإنشاء عشرات الأفرع الأمنية لقمع الشعب واسكاته،
لم يكن يعرف لغة الحوار، لقد حاول الكثير من المعارضين لسياساته جعله يقوم بعمل إصلاحات لكنه لم يفعل شيئاً سوى تدمير البلد اجتماعياً وسياسياً وانهاكه من الناحية الاقتصادية،
لقد قام بارتكابِ مجازرَ شنيعة في جميع أنحاء سوريا، ولا أعلمُ كم هي عدد المجازر بالضبط، لكن أذكُر لك أبرز تلك المجازر وهما مجزرتَي حماة عام ١٩٨٢ ومجزرة سجن تدمر، لقد قام الجيش السوري بتدمير أحياء كاملة في المدينة على رؤوس ساكنيها بحجة محاربة الإخوان المسلمين وكانت حصيلة الضحايا ما يقارب الـ ٤٠ ألفاً جّلهم من المدنيين ( لقد تداولَ الناس قصصاً ومواقفَ لا يستحملها قلب، ولا يستوعبها عقلُ بشر يملك ذرة من الإنسانية).
كلُّ الأحداث التي حصلت في السابق كانت عبارةً عن مقدماتٍ مهّدت لانطلاق الثورة على النظام السوري المتوحش عام ٢٠١١، يجدر بي ذكر أنّ الثورة لم تكن مؤامرة كما يدعي بعض الجهلاء والسطحيين أو الموالين للنظام، لا شك بأن بعض الذين ينسبون أنفسهم للثورة خدموا مصالح وأجندات دول خارجية، لكن ومهما بلغ الأمر من سوء تخطيط وفشل في الصراع مع النظام إلا أن هذا لا ينفي أحقية الثورة عليه (فكلُّ ثورة تُنتج مخَلفات، وشعبنا كان معزولاً عن السياسة لعقود طويلة، وليس من الطبيعي عدم حدوث الأخطاء)،
لاحقاً ظهرت داعش التي حاربت الثورة أكثر من النظام نفسه بل وأفشلتها عندما سيطرت على مناطق المعارضة بخبث ودعم استخباراتي لا يعلمه إلا الله ونحن السوريين.
على الرغم من وجود الأخطاء الكثيرة والتشرذمات الكبيرة إلا أن ذلك لم يمنع المعارضة من التقدّم، فالنظام السوري كان سيسقط رسمياً عام ٢٠١٥ عندما سيطر الثوار على مقر رئاسة الأركان الثانية التي تقع في مكان سرّي تحت سلسلة الجبال المحيطة بدمشق والتي كانت تتمركز فوقها المدافع التي تطلق قذائف الموت على المدنيين في الغوطة الشرقية،
لقد حاصرت قوات المعارضة العاصمة من جميع الجهات ولم يبقَ لهم غير الزحف نحو القصر الجمهوري، حينها علم الأسد أنها نهايته وأنه لم يبق شيء ليخسره فاستنجد بثاني أقوى جيوش العالم (روسيا) ليبقى في السلطة وذلك على دماء وأشلاء “شعبه” لترجح الكفّة بعدها لنظامه.
تخيّل أن كل الذي جرى من أحداث في سوريا على مدى ١٢ عاماً كان من الممكن تفاديها لو أن ذلك الديكتاتور المتكبر المدعو بالأسد قام بعزل ابن خالته عاطف نجيب الذي اعتقل الأطفال في درعا وقلل الأدب من وجهاء المنطقة الذيو أرادوا استعادة أبنائهم الصغار وقال لهم بالحرف: أرسلوا نسائكم إلينا ليحبلوا بالأولاد من جديد.
الحقيقة المُرَة اليوم هي أن العالم ترك الشعب السوري لوحده في مواجهة إيران وميليشياتها الطائفية وروسيا التي باتت تسيطر على سوريا وتتحكّم بها وبثرواتها من خلال واجهتهم ودميتهم المتمثلة بنظام الأسد الذي لا يملك من أمره شيئاً سوى اسم السلطة والحكومة.
الفرق بين سوريا قبل وبعد الثورة هي نفسية وشعوريّة قبل أن تكون سياسية ملموسة وغير ذلك، كنّا نخاف الحديث عن السياسة فلا يوجد مصطلح “سياسة” في قاموس الشعب السوري قبل الثورة، اليوم حتى المؤيدين الموالين لنظام الأسد أصبح لديهم نوع من الجرأة بفضل تضحيات المعارضين على اختلاف ايديولوجياتهم، لقد كسرنا الأغلال وأصبحنا أحراراً رغم ما مرّ علينا من أوجاع وآلام وقتل ودمار وتشريد، قد يقول البعض ما هذا الهبل! لقد دُمّر بلدكم وأصبحتم مشردين فما فائدة هذا الكلام؟
ونحن نقول لهم..
لن يعرف قيمة الحرّية ويستشعر طعمها سوى من عاش تجربة السجن في مملكة الصَّمت السُّورية.