البارحة, بعد ميَلان شمس الضُّحى، وعندما توغّل المساء واستتبّ الليل وسكن الناس راودتني نفسي بأفكارها الفلسفية المعتادة، إنه “الشّك أو الفضول الحميد” كما أسميه، حيث إنني كثيراً ما أُفكّر بالكون، والخلق، والنهاية (الآخرة)، أفكّر بمفهوم الإله، كيف هو؟ ما صفاته الشكليّة؟ هل له جسد؟ لا أعتقد، فهو ليس مثل أي شيءٍ آخر.

أُفكر بالجنة التي لم تَرَها عين.. ولم تسمع بها أُذُنٌ من قبل، أُفكّر بالجحيم أيضاً.. أين يقع وكيف هو ذلك المكان الذي سينتهي إليه أمر المجرمين (أجارنا الله منها)،

وإنّ أكثر ما يثير فضولي “الرّوح”، ما هو بالضبط، لا تفسير ديني لها، ولا حتى تفسيرٌ علمي يثبت وجودها داخل أجسادنا، ما هو معروفٌ منها فقط أنها من أمر ربِّنا كما ذُكر في القرآن الكريم ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85].

قبل مدة ليست بالطويلة كُنّا وأخي نتفكّر في آية.. ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 56]، كيف يستطيع الله تبديل جلود الذين كفروا بآياته مرّاتٍ ومرات ليذيقهم العذاب من جديد وهم في العذاب لا يموتون ولا يَحيون! (سبحان الله، شيءٌ مختلف عن مفهوم الحياة والموت)،

كيف يعلم ما في نفوسنا ويسمع دعائنا جميعاً في آنٍ واحد (ملايين البشر!)، كيف يعلم بكل ورقة تسقط على الأرض؟

يقولُ للشيء ﴿كُن فيكون﴾، لكن كيف يندفع الشيء من تلقاء نفسه ليكون شيئاً وينفّذ إرادة الله سبحانه؟

أسئلةٌ كثيرة تراودني بشكلٍ شبهِ يومي، أُطيل الجلوس وأنا أتفكّر وأتمعّن فيها، أشعر بعظمة الله وقدرته في كل لحظة وفي كلّ مكان وكلّ تفصيلة مهما كانت صغيرة الحجم،

إنها صفات الخالق وحده، الكيان الذي ليس له مثيل، والقوة الخارقة التي أوجدت كلّ شيء.

ومن كرم الله علينا وفضله أننا نُؤجر على تفكّرنا بعظمته وقدرته، ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [آل عمران: 191].

إلا أنه يجدر بالمرء المؤمن وضع حدود لتفكيره لِئلّا يشطح بشكّه بعيداً جداً، فهناك أمور لا تستوعبها عقولنا البشرية وإذا ما أحسَّ أن الشك أصبح يأخذ منحىً آخر (كأن يفكر بمن خلق الله) فليستعذ بالله ويبعد تلك الأفكار الشيطانية من رأسه فهو ليس مطالباً بالتفكير بهذا الآن، (عند غرق السفينة يحاول الناس إيجاد طوق النجاة ولا يفكرون في من صنعه).

آيات الخالق موجودة، نرى تجلِّيَاتها أينما ولّينا وجوهنا، ولا يُِنكرها إلّا الملحد ذو العقل الناقص والمتكبّر، ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ [الأعراف : 146]، فيا ربُّ ثبّتنا على فطرتك التي فطرتنا عليها واحفظ لنا دينك الذي ارتضيته لنا وردّنا إليك وأنت راضٍ عنا والحمدلله رب العالمين.