تزيدُنا الأيام يقيناً بأنَّ الإنسانية باتت تلفظ آخر أنفاسها واضعةً إنسانها بين فكّي كماشةِ الحكومات وسياساتها الجائرة،

حيث بلغ التردّي الأخلاقي السياسي مداه، وانطمر ضمير السياسيين تحت كراسيهم ومناصبهم التي يتّكؤون عليها وراحوا ينسلخون من الفضائل والسّمات الإنسانية بدعوى حماية المصالح -بتسمياتها المتعددة-، وبطبيعة الحال، لم يَسلَم الدين من سوء الاستخدام، فلقد جُرَّ إلى حلبة الصراعات السياسية مرات كثيرة ومنذ زمنٍ بعيد، لكن هذا الانجرار تعمّق في السنوات الأخيرة بعد أن ظنَّ كثيرون أن الفصل بين الدين والسياسة بات أمراً لا يحتاج إلى النقاش عند من تحلو له الديمقراطية وتروق له مصطلحات التحديث.

يستخدم بعض السّاسة مصطلحاتٍ وشعارات دينية تُدغدغ مشاعر الجماهير العاطفية وتخدعهم بمضامينها الروحية، ولا يتوانى هؤلاء من اقتباس نصوص دينية مقدسة وجعلها كمساحيق تجميل يُخفون بها قُبحهم.

نبذُ السياسيين للأخلاق والوجدان وانتشار ثقافة الحرص على تنمية الدُول والتطور المادي وازدياد تشيّؤ الإنسان وممارسة الضغوطات السياسية حتى في أنصع الديموقراطيات ينذر بفقدان البشرية لهويتها الإنسانية لتصير آلة طيِّعة للمصالح الكُبرى التي لا تُراعي حقوق الإنسان ولا تهتم لكينونته كفرد ضمن النطاق الكبير المدعو بالمجتمع.

بين جميع تلك النقائض، يجري بنا مركب الدنيا كما يجري النسيم العليل في الهواء، يُغربل فيها الخبيث من الطيب ويتراكم فيها الغبار على سطور الكتب ليقرأها الناس ويأخذوا منها الدروس، جيلاً بعد جيل.