ثارَ هذا السؤال الفلسفي في نفسي قبل مدّة، حرَّك فيّ النزعة التأمُليّة، وجعلني أتفكّر في المعنى الكامن خلف مفهوم “خُلُق الإنسان” أو مصطلح “الأخلاق”؛

يُؤمن البعض بأن الأخلاق أَوَلى من المصالح وعليه يجب على الإنسان إتّباع قيمه ومبادئه حتى ولو تعارضت مع مصالحه الشخصية، بينما يرى آخرون في التوازن بين الأخلاق والمصالح الخيار الأمثل، فيتأرجحون ما بين تحقيق المصالح وتفضيل القيم الأخلاقية (الخاصة بهم)، وهناك أيضًا الذين يقومون بنبذها كُليًا.

يعتقد كثيرون بانبثاق الأخلاق والمصلحة من حقيقة واحدة، إلا أن هذا المزج غير صحيح، فالأخلاق تتجاوز المصالح ولا علاقة للمصلحة بالأخلاق، حيث إنّ الأخلاق لا تنتمي لعالم الماديّة والعقلانية، فما فائدة أن يغامر الجندي بحياته ويضحي بنفسه في سبيل الدفاع عن شرف بلده بعد خسارتها الحرب؟ إنها الأخلاق هي من تمنح القيمة لتلك التضحية الفردية عديمة الفائدة.

تُصنَّف الأخلاق على أنها القيم المعيارية التي تحدد السلوك الفاضل لدى الإنسان، وتكمن مهمتها في تحريك ما في الإنسان من عناصرَ سامية تصل به إلى البحث عن القيم بوصفها غايات.

يقول بيغوفيتش في كتابه (الإسلام بين الشرق والغرب) أن قلّة قليلة من الناس هي التي تعمل وفقًا لقانون الفضيلة، ولكن هذه القلة هي فخر الجنس البشري، وقليل هي تلك اللحظات التي نرتفع فيها فوق أنفسنا فلا نعبأ بالمصالح والمنافع العاجلة، تلك اللحظات هي الآثار الباقية التي لا تبلى في حياتنا.

لا تُبالي الأخلاق بالطبيعة لأنها تنتمي لعالم داخلي غير العالم المادي، عالمٌ تتحرر فيه من قوانين وأغلال عالمنا الدُنيوي.

من يُرد جمالًا فالأخلاق تكفيه

هنالك اتجاه قديم يقوم بتوحيد الخير والجمال، وقد استخدم اليونانيون مصطلحًا واحدًا للتعبير عن الجمال ونبل الأخلاق، حتى أنهم مزجوا بين علم الجمال وفلسفة الأخلاق معتبرين الأخلاق فرعًا من فروع الجمال؛

لابد للبشر بوصفها كائنات أخلاقية أن تمارس الخير وتقهر الشر المتمثّل بالمصالح، فقد بات الإنسان المعاصر تائهًا جائرًا لا يُدرك القيم ولا يشعر بالجمال، في حين أنّ عظَمة الإنسان تكمن في أعماله الخيِّرة، فإذا كانت المصلحة تستدعي نبذ الأخلاق فذلك معناه اختفاء الجمال.

ولا يمكن لأحد أن يكون محايدًا بالنسبة للأخلاق، فذلك يعني اختفاء الخير، حيث إن الأخير لا يخضع لقوانين ومبادئ مطلقة، فالمقياس ثابت لا يتغيّر بتغير الظروف والأحوال.