في السابق (قبل عام)، كنت أستطيع قراءة الكتب في أي وقت أشاء.

كان يومي طويلاً وممهّدًا للقراءة والتأمل، ولم تكن مشاغلي حينها قد تمدَّدت في حياتي كما الحال الآن.

اليوم أشعر أن بيني وبين الكُتب مسافة لا تُقاس بالساعات بل بالعقبات؛ عقبات الذهن المرهق والانقطاع المتكرر وضجيج الواقع ومتطلبات الحياة وغيرها من المُشتِّتات.

يُراودني شعور لا أتقبّله وقد تسبب لي بنوع من أنواع المعاناة الصامتة، فالقراءة صارت ترفًا لا قدرة لي عليه، بعدما كانت طقسي اليومي الأقرب إلى الصلاة.

منذ أسبوعين أُضيفَت إلى مكتبتي قرابة العشر كتب، لكنني وحتى الآن لم أقرأ من إحداها صفحة واحدة.
لا أعلم لمَ تفتر همّتي بالقراءة شيئًا فشيئًا!

مؤخرًا حاولت تفسير ما يحصل معي، ووصلت إلى نتيجة مفادها أنني كنت (في الماضي) أقرأ بدافع من القلق الوجودي والفكري، ورغبة في فهم السياسة والمجتمع والعالم.

في الواقع، بعد سقوط النظام الذي كان يثقل حياتنا، تراجع ذلك الدافع شيئًا فشيئًا، فلم أعد أشعر بذلك التوتر الذي كان يدفعني إلى البحث، ولا بتلك الرغبة الجامحة في تفكيك الواقع وكشف أسراره.

وصلت لنتيجة "أن غياب القمع يُطفئ أحيانًا جذوة السؤال والسعي"، أو أن غياب الخطر يجعل الفكر أقل احتدامًا من ذي قبل.

كنت أقرأ لأفهم، ولأقاوم، ولأحمي نفسي من ضياع الذاكرة التي كانت تُفرض علينا.

أما اليوم فأصبحتُ أقرأ على مهل، وببطءٍ يُشبه التّأمل أكثر مما يُشبه التعلم.

يحزنني أن القراءة باتت طقسًا مؤجلًا عندي.. لا عادةً يومية كما كانت.

نعم، لا زلت أفتح الكتاب، لكنني أقرأ قليلًا ثم أتوقّف، لا لأنني مللت، بل لأنني أحتاج أن أعيش ما قرأت، وهذا بالذات ما يسبب لي الخلل، لماذا أقرأ بينما تشغلني الكثير من الأشياء؟

سابقًا كان الثورة في سوريا تشغل معظم اهتماماتي بما في ذلك دراستي الجامعية ولهذا كانت القراءة ضرورية ولازمة أمّا الآن فلم يعد هناك ما يغريني للانتهاء من قراءة كتاب، على العكس.. قد يكون التأمل في جملة واحدة كافيًا لتغيّر يومي بالكامل.

أعتقد بأنني شخصٌ يقرأ حسب الحاجة.. وبحسب ما ينتابه من مشاعر وأفكار، وقد بُنِيَت ثقافتي من جراء حاجاتي السابقة للقراءة والتعلم في السياسة والاجتماع (وليس الأدب)، وبعيدًا عن السياسة.. قرأت ذات مرة كتابًا عن العمل الجماعي للدكتور إبراهيم الفقي.. حين كانت نشاطاتي الطلابية في أَوجها، أما اليوم فلا أجد شيئًا يجذبني نحو هذا النوع من الكتب، فلم أعد عضوًا في تجمع طلابي ولا اهتماماتي هي ذاتها.