جلستُ البارحة مع أحد أصدقائي من أولئك الذين تجمعني معهم علاقة أُسميها بعلاقة "غير ذي الكُلفة".. أي أننا بعيدون عن التكلف بُعدَ المشرق والمغرب، وقريبون من "السَّربستيَّة"، والسربستيّة في أصلها كلمة فارسية جرى عَثمنتُها (استخدامها في اللغة التركية القديمة).

سألني هذا الصديق سؤالًا يشغل بال معظم العازبين والعزباوات، سؤالٌ يختلف عن موضوع الحديث الذي كنا نخوض فيه اختلاف الأبيض والأسود.

يا إقبال، إنّي أراك من الذين يُحسنون قراءة الناس، وفيك شيء من الفراسة والسكينة؛ فقل لي بكل صدقٍ وصراحة "كيف يعرف المرء أنّه وقع في الحب"؟

ابتسمتُ وقد راقني السؤال، حتى تأمّلتُ قليلًا ثم أجبته كما لو أنني لقمان الحكيم:

اسمع يا صاحبي، إن مسّك الحب لا قدّر الله، سيَلتَبِسُ عليك يومك بالكامل، ولن تفهم ما الذي تغيّر في البداية، لكنك ستشعر أن تفاصيل الحياة لم تعد كما كانت؛ سيصبح لصوت الرسائل وقعٌ مختلف، وللقاء معنى أعمق، حتى الصمت في حضرة "المُعجب بها" سيغدو مزدحمًا بالمعاني القلبية، فهل هذا ما تشعر به؟

لم أمرّ بتجربة حبٍ من قبل حتى أصف له ما يمكن أن يحصل بدقة، لكنني في مرحلة ما ظننت أنني أحببت، كانت فتاة من جيلي أيام الطفولة، كانت تشبهني في التفكير وربما في التيه، وربما كان ذلك خيالًا بريئًا أراد أن يتدرّب على الوجدان، أو نزعةً من القلب لاكتشاف ذاته، وربما كان ذلك الفضول البريء لاكتشاف معنى الحب في عمرٍ تتسارع فيه العواطف وتضيع به التعريفات.. لستُ أدري تمامًا.

الحبّ يا صديقي ليس شعورًا فحسب، بل حالٌ تُجمِّل النفس وتُربكها.. وهي لذّةٌ فيها وجع، ووجعٌ فيه جمال.

يقول أحد العُشّاق أن الحب يأخذ من سكونك بقدر ما يمنحك من حياة.

وأجمل ما فيه يا صاحبي (فيما أرى لك) أن يظلّ سرًّا لا يُعرَف إلا بينك وبين نفسك فلا تطاله النظرات ولا الألسنة.. هذا ليبقى أثره نقيًّا داخلك، حلمًا لم يكتمل.. وروحًا لم تمُت حتى تُحييها بنفسك حين تُمضي نيتك على الخير.